الإلغاء في صراع الحضارات!

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الإلغاء في صراع الحضارات!, اليوم الأربعاء 3 يوليو 2024 12:52 مساءً

الإلغاء في صراع الحضارات يعني أن تقوم إحدى الحضارات بإلغاء الآخر تماما ولا يعني أن تلغيها بمعنى أن تسعى لمسحها من الوجود، بل تلغيها من الذاكرة الحضارية فحسب، وكفى بها طريقة لإنهاء وجود أي حضارة، تقوم فكرة الإلغاء بتجاهل تلك الحضارة تماما، وعدم الإشارة إليها واعتبارها كما لو لم تكن.

مارست الفلسفة الغربية فكرة الإلغاء بشكل كبير جدا مرتين على الأقل، أحدهم عندما ألغت الفلسفة الغربية الفلسفة المسيحية في القرون الوسطى لديها، فمن ضمن سلسلة الحرب التي شنتها أوروبا على الدين المسيحي وصفت حساباتها معه كان إلغاء فلسفة القرون الوسطى بل ذهب بعض مؤرخي الفلسفة لقفز هذه المرحلة تماما لزعمهم بعدم وجود فلسفة أصلا في تلك المرحلة بغض النظر هل كانت فلسفة عميقة أم لا، هل كانت صحيحة أم لا، هل كانت إضافة للفلسفة أم لا.

أما المرة الثانية وما زالت، فهو التجاهل الغربي أيضا للفلسفة الإسلامية وإنكار وجودها والتعبير عنها بأنها فلسفة ناقلة ومترجمة للفلسفة اليونانية لا أكثر وفي أحسن الحالات، وهذا الإنكار يبدو فعالا جدا في أثره في الأجيال التالية التي أتت ثم لم تجد أثرا للفلسفة الإسلامية والعربية فيما كتبه الغربيون عن تاريخ الفلسفة، فيتكرس لدى أجيالنا بالفعل عدم وجود أثر للفلسفة.

ثمة إشارة مهمة قد يكون من الجدير الإشارة إليها وهي أن هناك من الفلاسفة من يشير إلى المعجزة اليونانية في تأصيل الفكر الفلسفي الغربي ويزعم بأن الفلسفة اليونانية ولدت هذه الفلسفة من لا شيء، أي أن الفلسفة اليونانية لم تكن تطورا أو تراكما لفلسفات أخرى بل صناعة يونانية خالصة من الصفر، وهذا يناقض أحد مبادئ الفلسفة اليونانية نفسها التي تشير إلى أن ليس ثمة ما يخلق من عدم، وفي هذه الأخيرة يتم تكريس مفهوم الإلغاء الحضاري، وهو إلغاء وجود ما تستقي من الحضارة اليونانية فلسفتها حتى ولدت بشكلها الأخير والنهائي الذي نعرفه، وتحديدا الفلسفة المصرية والفلسفة الشرقية بشكل عام وغيرها في الفلسفة اليونانية!

أعود لفكرة الإلغاء التاريخي لأي حضارة، إن الثناء والإنصاف على حضارة تداعت يعني أن من المرجح أن تعود هذه الحضارة بفعل الإرث التاريخي الذي تم تدوينه، كما أن الهجوم على أي حضارة من قبل حضارة أخرى لا يعني سوى تغطية للجمر بقليل من الرماد حتى يظن أنما نار الحضارة الأخرى قد انطفأت حتى يأتي من يعيدها مستعينا بلغة عدائية ترد على أدبيات أعدائه الحضاريين، لكن ثقافة الإلغاء تعني أن ليس ثمة وجود أصلا لهذه الحضارة، مما يعني أن الأجيال تحتاج لجهد كبير حتى تكتشف حضارتها، فإن تعثرت فإنها معنية ببناء حضارة جديدة لتقارع فيها الأمم الأخرى وهذا ما نراه الآن في قوميات جديدة تحاول أن تخلق إرثا تاريخيا لها مستقلا عن الإرث التاريخي الذي تم تجاهله.

في صورة انطباعية أخرى، لو قدر لك أن تسمع تاريخ مدن قد مرت الحضارة الإسلامية فيها مرورا بارزا مثل إسبانيا على سبيل المثال، ستجد التاريخ السياحي يقوم بعملية تجاهل - غير مقصودة طبعا لأنه تم التجاهل الممنهج والتاريخي للحضارة الإسلامية حتى لم تعد من أدبيات الدليل السياحي أن يشير إليها برغم أنه يشير إلى أحياء تاريخية قبل وبعد الحضارة الإسلامية - وهذا واضح وصريح لثقافة الإلغاء والتجاهل والذي لا شك أنه يتقاطع مع الثقافة الغربية التي تزعم في كثير من الأحيان بأنها تتصف بالعدل والصدق والصراحة، لدرجة أن انتقد عدد من المثقفين البارزين في إسبانيا، أمثال خوان غويتيسولو ورودريغو دي زاياس، التصور التاريخي الحالي الذي تقدمه بلادهم بتجاهل فترة طويلة تقاطع فيها هذا التاريخ مع الإسلام، وكذا المسلمون إبان حكمهم لشبه الجزيرة الأيبيرية.

Halemalbaarrak@
الفلسفة
الفلاسفة
الفلسفة الغربية
الفلسفة الإسلامية
الحضارات
الحضارة الإسلامية
ثقافة الإلغاء
الإلغاء الحضاري
التاريخ السياحي
الإرث التاريخي

أخبار ذات صلة

0 تعليق