بين الحقيقة والتسويق: تسليع الطب في بعض المختبرات الخاصة في السنوات الأخيرة

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
بين الحقيقة والتسويق: تسليع الطب في بعض المختبرات الخاصة في السنوات الأخيرة, اليوم الثلاثاء 3 يونيو 2025 08:31 مساءً

أصبح من المألوف أن نشاهد حملات دعائية ضخمة لبعض المختبرات الطبية الخاصة، تعد بالكشف المبكر عن كل شيء، وتروج لفحوصات شاملة تحت عناوين تسويقية توحي بالطمأنينة الكاملة أو القدرة على اكتشاف الأمراض دفعة واحدة. ومع غياب الوعي الصحي الكافي، يقع كثير من الناس في فخ هذه العروض التي قد لا تتماشى مع أي مبرر طبي حقيقي. أحد أبرز أشكال هذا التسويق هو ما يعرف بـ "الباقات التحليلية المرتبطة بأعراض شائعة"، مثل تلك التي تطرح لتفسير الصداع أو لفهم الحالة المزاجية، والتي تشمل ما بين 15 إلى 20 تحليلا في باقة واحدة، دون أي تقييم طبي فردي.

ورغم أن بعض هذه التحاليل قد تكون ضرورية في ظروف معينة، فإن تقديمها بشكل موحّد تحت عنوان تجاري مغرٍ، بعيدا عن السياق السريري، يعد تسويقا مبالغا فيه قد يؤدي إلى إسراف غير مبرر. كما أن بعض التحاليل التي تدرج في هذه الباقات لا تصلح لأن تفهم بمعزل عن الفحص الإكلينيكي والتاريخ المرضي. فمثلا، هناك فحوصات معروفة بأنها غير نوعية، أي أنها قد تتأثر بعوامل متعددة لا ترتبط مباشرة بالمرض المقصود. أحد هذه الأمثلة تحليل يستخدم لقياس وجود التهابات عامة في الجسم، لكنه قد يرتفع لأسباب كثيرة، كالحمل، العدوى البسيطة، أو حتى تقدم العمر.

مثل هذه النتائج قد تؤدي إلى قلق غير مبرر، أو إلى إجراء فحوصات إضافية لا لزوم لها.

الأمر لا يتوقف عند ذلك، بل إن بعض التقارير قد تتضمن ما يعرض على المراجع كتحاليل إضافية، وهي في حقيقتها مجرد نسب أو مؤشرات محسوبة رياضيا من نتائج فحوصات أخرى أجريت سابقا، وليست تحاليل جديدة بحد ذاتها. ورغم بساطتها، تدرج أحيانا ضمن الفاتورة كخدمة مستقلة، مما يضاعف الكلفة دون تقديم قيمة تحليلية إضافية حقيقية للمريض.

ووفقا لتوصيات العديد من الهيئات الصحية العالمية مثل منظمة الصحة العالمية (WHO)، والمعهد الوطني للرعاية المتميزة (NICE)، ومايو كلينك (Mayo Clinic)، فإن استخدام التحاليل الطبية يجب أن يكون موجّها بالحاجة السريرية، وأن تطلب التحاليل بناء على تقييم فردي للحالة وليس ضمن قوالب موحدة تسويقية.

وينسجم هذا التوجه أيضا مع مبادرات وطنية، مثل مبادرة "الاختيار بحكمة" التي يقودها المركز السعودي لسلامة المرضى، بهدف تعزيز الاستخدام الرشيد للفحوصات والإجراءات الطبية.

هذه الممارسات تسهم في تحويل المختبر من جهة داعمة للتشخيص الطبي إلى مؤسسة تجارية محضة، تحكمها منطق العروض والعوائد لا الممارسة الطبية الرصينة. وهو أمر يستدعي وقفة تنظيمية وتوعوية، لضمان أن تظل صحة الإنسان هي الأولوية، لا الأرقام.

إننا بحاجة إلى وعي مجتمعي أكبر، وإلى تدخل رقابي يعيد ضبط آليات التسويق في هذا القطاع، ويلزم المؤسسات المختبرية بالشفافية والمهنية، ويحفظ للمراجع حقه في الفهم، والاختيار، والاعتراض.

هذا المقال يهدف فقط إلى تسليط الضوء على ممارسات شائعة في بعض المختبرات الطبية الخاصة، بقصد رفع وعي المجتمع وتعزيز ثقافة الاستخدام الرشيد للتحاليل المخبرية. وهو لا يستهدف جهة بعينها، ولا يشكك في كفاءة القطاع الخاص أو المختبرات الخاصة التي نقدّر جهودها في خدمة المجتمع.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق